نكتب هذه الكلمات ونحن نحاول أن نفهم...
هل يُعقل أن تتحوّل سوريا إلى دولة رقمية، بينما بيانات مواطنيها تُباع على مواقع "الدارك ويب" بسعر علبة دخان؟
أين مركز أمن المعلومات؟! أين وزارة الاتصالات؟ من المسؤول؟ ومن سيُحاسب؟
لم تعد التسريبات الأمنية مجرد استثناء، بل أصبحت واقعًا يوميًا يعيشه المواطن السوري وهو عاجز حتى عن تقديم شكوى أو المطالبة بحقه.
أحدث هذه التسريبات طال بيانات مشتركين في خدمة Sama-net IPTV، بأعداد تتجاوز الـ 3000 مشترك. لم تُسرق فقط أرقام الاشتراك، بل الأسماء، والمعلومات الشخصية، وتواريخ التجديد...
كلّها الآن متاحة لمن يدفع، و"الدفع قليل"، بضع عشرات من الدولارات، وتصبح معلوماتك في يد أي جهة، أي طرف، أي شخص لديه نية سيئة.
وما هو أخطر من ذلك، تسريب قاعدة بيانات كاملة لطلاب الجامعات السورية، أكثر من 94,800 سجل شخصي، تتضمّن معلومات حساسة كالصور الشخصية، وأرقام الهوية، والأسماء الرباعية. حجم البيانات يصل إلى 43.6 غيغا، وتُعرض للبيع بمبلغ لا يتجاوز 300 دولار!
ولم يتوقف الأمر هنا، حتى نقابة الأطباء لم تسلم.
بيانات أعضاء النقابة، من الأطباء الذين يحملون مسؤولية حياة الناس، تُباع بمبلغ 150 دولار فقط!
هل أصبح كل شيء في هذا البلد معروضًا للبيع؟ حتى الخصوصية؟ حتى الهوية؟
نحن الآن في لحظة فارقة...
نُكثر من الحديث عن "التحول الرقمي"، ونستعرض الخطط والاستراتيجيات والمشاريع التي "ستنقل سوريا إلى عالم التكنولوجيا"... لكن أي تكنولوجيا؟ وأي مستقبل رقمي؟
إذا كانت البنية التحتية لأمن المعلومات منهارة، وإذا لم تكن هناك سياسة واضحة، وإذا لم يكن هناك من يسأل "أين الخطأ؟"، فإلى أين سنصل؟
التحول الرقمي بلا أمن سيبراني هو انتحار بطيء.
هو كشف لظهور المواطنين أمام كل تهديد خارجي، وفتح للأبواب أمام التجسس والابتزاز والخرق.
لا يمكن الحديث عن "مستقبل رقمي" في ظل غياب ثقة المواطن في مؤسساته.
لا يمكن بناء اقتصاد رقمي في بلد لا تحمي بيانات طلاب جامعاتها ولا تحترم خصوصية مشتركيها.
نحن لا نكتب هذه الكلمات للتهويل، بل لنقرع جرس الإنذار، قبل أن يُصبح الوقت متأخرًا جدًا.
نحن بحاجة لإصلاح جذري في ملف الأمن السيبراني. إصلاح حقيقي، شفاف، بقيادة مختصين، لا شعارات إعلامية فارغة.
نريد أن نعيش في بلد يحمينا، لا يعرّينا.
في وطن رقمي عادل وآمن، لا في سوق سوداء للبيانات.